GuidePedia

0

 

 

كثيرا ما يتعجب المتدينون و خاصة المسلمون من موقف الربوبيين ..و لا يستطيعون إستعاب فكرة الإيمان الفلسفي بوجود خالق، و إنكار الأديان الأرضية جملة و تفصيلا ..فضلا عن أسباب رفض تصديق فكرة النبوة.

 

 

و مهما قلنا و فصلنا بالأمر لا يفقهون، و يريحهم نعتنا بالجُهّال و أن عقولنا قاصرة عن فهم تلك الحكمة العظيمة للبعثات السرية من السماء نحو الأرض.. و قد يصل بهم الحد إلى اتهامنا بالعمالة أو المؤامرة أو حب الشهوات..

 

 

الطبيب و الفيلسوف و العالم الفارسي أبو بكر محمد بن يحيى بن زكريا الرازي، يشهدون له بالنباغة و البلاغة و العقلانية.. ويعرَّف على انه عالم مسلم، رغم انه اتخذ موقفا معارضا للنبوة و الانبياء. فرغم قناعته وإيمانه بوجود خالق لهذا الكون،من ناحية أخرى لا يؤمن بأن هذا الخالق أرسل إلى خلقه رسلا، فجادل من حاول إقناعه بهذه القضية قائلا :

 

من أين أوجبتم أن الله اختص قوما بالنبوة دون قوم ،وفضَّلهم على الناس ،وجعلهم أدلة لهم ،وأحوج الناس إليهم ؟

 

ومن أين أجزتم في حكمة الحكيم أن يختار لهم ذلك ،ويعلي بعضهم على بعض ،ويؤكد بينهم العداوات، ويكثر المحاربات ،ويهلك بذلك الناس؟

 

 

فالأوْلى بحكمة الحكيم ورحمة الرحيم ،أن يلهم عباده أجمعين معرفة منافعهم ومضارهم في عاجلهم وآجلهم ،ولا يفضِّل بعضهم على بعض ،فلا يكون بينهم تنازع ولا اختلاف فيهلكوا ،وذلك أحوط لهم من أن يجعل بعضهم أئمة لبعض ،فتصدق كل فرقة إمامها ،وتكذب غيره ،ويضرب بعضهم وجوه بعض بالسيف ويعم البلاء.

 

 

وتابع الرازي قائلا لمحاوره بخصوص إعجاز القرآن:

 

إنكم تدعون أن المعجزة قائمة موجودة ،وهي القران،وتقولون من أنكر ذلك فليأت بمثله.. إن أردتم بمثله في الوجوه التي يتفاضل بها الكلام، فعلينا أن نأتيكم بألف مثله من كلام البلغاء و الفصحاء والشعراء ،وما هو أطلق منه ألفاظا وأشد اختصارا في المعاني وأبلغ أداة وعبارة وأشكل سجعا،فإن لم ترضوا بذلك فإنا نطالبكم بالمثل الذي تطالبوننا به.

 

 

ثم سخر الرازي ممن يقولون بحجية القرآن وإعجازه :

 

لو وجب أن يكون كتاب حجة،لكانت كتب أصول الهندسة والمجسطي التي تؤدي إلى معرفة حركات الأفلاك والكواكب ،ونحو كتب المنطق وكتب الطب التي فيها علوم و مصلحة الأبدان،أولى بالحجة مما لا يفيد نفعا ولا ضررا ولا يكشف مستورا.

 

 

و قبل ان ينهي الرازي كلامه عن بطلان الاديان، اشار محاوره إلى أنها في الواقع سائدة ومنتشرة بين العوام والخواص ،فكيف يمكن لباطل أن ينتشر ويسود بين الناس؟

 

 

فأجابه:

إن أهل الشرائع أخذوا الدين عن رؤسائهم بالتقليد ،ودفعوا النظر والبحث عن الأصول ،وشددوا فيه ونهوا عنه ،ورووا عن رؤسائهم أخبارا توجب عليهم ترك النظر ديانة ،وتوجب الكفر على من خالف الأخبار التي رووها ،ومن ذلك ما رووه عن أسلافهم أن الجدل في الدين والمراء فيه كفر ،ومن عرض دينه للقياس لم يزل الدهر في التباس ،ولا تتفكروا في الله وتفكروا في خلقه ،والقدر سر الله فلا تخوضوا فيه ،وإياكم والتعمق فإن من كان قبلكم هلك بالتعمق ..

 

 

فإن سئل أهل هذه الدعوى عن الدليل على صحة دعواهم ،استطاروا غضبا ،وهدروا دم من يطالبهم بذلك ،ونهوا عن النظر،وحرضوا على قتل مخالفيهم ،فمن أجل ذلك اندفن الحق أشد اندفان،وانكتم أشد انكتام .

 

 

وختم الرازي كلامه لمحاوره إلى أن انتشار الدين بين الناس يعود إلى طول الإلف لمذهبهم ،ومر الأيام ،والعادة ،واغترارهم بلحى التيوس المتصدرين في المجالس ،يمزقون حلوقهم بالأكاذيب والخرافات..

 

 

وهذا ما لا شك فيه ،فالدين ينتشر بين الناس كما تنتشر المذاهب والملل والنحل و السياسات و الافكار..فمتى وجدت المصالح و هُيئتْ للدين أو المذهب او الطائفة او الحزب .. ظروف مواتية ودعاة مخادعون،و بسطاء يتلقون دونما سؤال او جدال ،فإنه ينتشر لا محالة .




المصدر

 

ـ رسائل فلسفية لأبي بكر محمد بن زكريا الرازي ، باول كراوس ، القاهرة ، 1939 م ، ص 17 وما بعدها .

2 ـ من تاريخ الإلحاد في الإسلام ، عبد الرحمن بدوي ، مكتبة النهضة المصرية ، القاهرة ، 1945 م ، ص 46 وما بعدها .

 

 

 

 

 

بقلم اﻷخت ليليا شوقي

https://plus.google.com/110604010947901486172

 

Post a Comment

 
Top